Archive for the ‘يوميات’ Category

رسالة الطفران

أكتوبر 3, 2012

 

تزلج على منحدرات القمامة

صوت خشن فيه بعض التعب في المقعد الخلفي جداً:
– ”لا أفهم كيف يفكرون ، لم أعد أطيقهم ولا أطيق أن أسمع، أقرأ أو أرى أياً مما يخرج منهم”

– “…”

– “حتى لو كان بعضنا تافه لدرجة ارتكاب أخطاء ، لا يمكن أن يسقط هذا علينا جميعاً هم لا يشكلون شيئاً منا، قد يكون لأخطائهم مايبررها بنظرهم ، حتى بهكذا حالة ، يجب أن يفهموا أنهم يلطخون موقفاً جمعياً، يجب أن يفهم (الآخرون) أن بعض من يحسبون علينا يعبرون عن انفسهم وانفسهم فقط”

– “…”

– “الحق على من مثلنا على من يحمل فكراً أصيلاً من موقفنا من الكارثة، يجب أن ننبذ هؤلاء منا رغم أن تصرفاً كهذا سيضعفنا ويشتتنا ربما، لكن هو أمر حتمي، يجب أن نخرج ما يضعنا بموضع متهمين فنضالنا هنا لغاية سامية، لا أتحمل مجرد التفكير بوجودهم بيننا”

– “….”

– “بعض أهالي الحي وبرودهم تجاه واجباتهم في ما نحن فيه وضعنا في عنق الزجاجة، هم من يدخل غرباء إلى الحي ويتواصلون معهم، تافهون ..!! أنبق مكتوفي الأيدي؟ دواهم بالعين الحمرا سيأتي يوم ويدفعون ثمن عيشهم في النكران”

– “…”

– “أخي الأكبر سيصيبني بالجنون ، لم أعد أعرفه، منذ شجارنا حول الأحداث لم أتحدث إليه أو أزره …حتى أنت، ما بالك وكأني أتحدث لنفسي؟ دعك من مثالياتك لن تأتيك بخبزك ، سيأتي يوم تقول فيه وتندم فيه”

– “نزلنا ع اليمين معلم… بشوفك”

شق شاب طريقه خارجاً ، دفعني فضولي لأنظر للخلف، لم يكن هناك أحد في المقعد، مكبر صوت تالف يحشرج بصوت نجاة “إن له في بلاده حباب…”

Occupy عين الكرش

اليوم الأول:
على المداخل والمخارج ليحموا الحي ، قفلوه ولن يدخله (الآخرون)

اليوم الثاني:
”سمعتوا القصف والرصاص؟ الله يقويهم ما عم يقصروا”

اليوم الثالث:
”ضب اللي ممكن ينسرق من بيتك بسرعة ، دبرتلك سوزوكي”

اليوم الرابع إلى الخامس عشر:
كأس شاي شبه أسود ، و “سنرجع يوماً إلى حينا”

لا أذكر تاريخ اليوم … أول زيارة للبيت:
”دير بالك .. قد ينهار الجدار لأي حركة غلط”

اليوم التالي: => اليوم الأول
”أديش الأجارات عندكم؟” .. “ليك لا تجي من شارع المقبرة ، لف من عند محل الفروج في قناصة هنيك” … “حرقولنا بيتنا” .. “الله لا يقيمه ، طلع منن” .. “لقوها مقتولة ومرمية عالطريق” .. “ما رجع لهلق ، يمكن خلص أهله ماعاد متأملين بجيته”

مصالحة زمنية
– ”لعمى عالبلا ، مبارح حطولنا بأول الحارة حاجز”

– “أي”

– “شو أي؟؟ حاجز وعساكر وكياس وعم يقلي أبو أسامة انه الحواجز اللي نصبوها عندهن معها (دبابات/ طوشكا) ، عندكن هيك شي؟”

– “يمكن”

– “شو يمكن؟ في ولا ما في؟”

– “بآخر العام الدراسي، مو هاد اللي قبله ، لأقدر فوت الولاد عالبيت من الطريق ، عملولي تغطية نيران ومرقوني تحت الرصاص ونحن مقرفصين وعم نركض .. الحواجز هون عملولها تواليتات ومنامة ، واحد منن حكالي انه استأجر لعروسته قبو حد الحاجز رغم انه اغلى صار من الملاحق.. ما حدا عم يرغب فيا .. بتعرف ”

مسخ طبوغرافي بين رجل دين وسياسي

– “كل الأقوام الفاسقين بقصص القرآن الله عاقبهن ، اللي مسخهن قردة وخنازير واللي ارسل عليهم وباء واللي مسح جناتهم واللي ارسل لهم جبريل قلب مدينتهم عاليها واطيها .. هلق هي العقوبات كلها مجازية”

– “كيف يعني؟”

– “عندهم تردد الـ (محطة اخبارية) الجديد؟ اندهله يحط عليا لقلك”

– “انتو حطب هذا الجحيم .. اي والله”

– “لا تكفر .. ! انتو دخانه”

– “الجحيم ماله دخان”

– “بيتك بيطل عالسبينة؟”

– “شو هي السبينة؟”

(دخل إعلامي في اللحظة)

– “حاسبونا، بدنا نسكر المحل بعد اذنكم ، بنعتذر”

الهويات يا شباب

حواجز

سبتمبر 27, 2012

حر شديد واتساخ النظارات لا ينفع معه شيء

الكسوة

ضع يدك على فمي لتنهي حديثاً لم يعجبك ، إن فعلت فأنا المنتصر وأنت: اسقطت وزن سخريتك مما قلتُه ، كلامي ذو أهمية وتأثير والثالث والأهم : أنت تعجز عن الرد لذلك فعلت.

لن نقف هنا فسأعود لحديثي وستعود لردك ، هي وقفة أعلن فيها انتصاراً جزئياً عليك

جسر صحنايا

هناك قنابل ذكية ، تكنولوجيا ذكية ، جوامد ذكية  وأيضاً جريمة ذكية، والحديث ليس عن تلك آنية الفعل بل عن أخرى يخطط فاعلها لها وينجح ، يعرف جحيماً ينتظره جراء فعلته ويعرف حتمية إلقاء تبعاتها به فيه ، لكنه يقدم عليها رغم ذلك وينجح ويأتي الحساب فيرمى به، ويُنسى من دفعه بداية لارتكاب الجريمة ولا أعني المحرض فمحرض جريمة ذكية ذاتي المنشأ، أتحدث عن نسيان صانع المجرم بداخله ، هو أكبر من أن يحاسب أو يلام، مستتر ومرفّع عن المساءلة بحصانة ومكانة يملكهما، وبقانون وضعه هو نفسه يجرم الفاعل بصفحاته وريما المحرض دون الصانع، جريمة ذكية وذكاؤها أبعد من خطة تنفيذها.

القوس

“أأبدو كشخص بخطط ؟ أتعلم ما أنا؟ كلب يطارد سيارات عابرة نابحاً، لا أدري ما أفعل بإحداها إن أدركتها ، أنا أفعل ما أفعله فقط”

هي الغريزة، كلب يلهث بزيغِ في عينيه على طرف طريق ضيق تحمل الصدفة إليه سيارة تعبر غرباً أو شرقاً، يهرول خلفها يمنة تارة ويسرة تارة أخرى زارعاً بضعة عشرات من الامتار جيئة وذهاباً ، يتوقف في كل هرولة عند حد تعبه ليعاود الهرولة بالاتجاه المعاكس ويتوقف من جديد ، كسجين يرفض حبساً، فيصدم جدرانه المتقابلة صارخاً بفقده، طارقاً على صم حجارتها بقبضتيه .. كلب كرأس السجين لا يوجد ما يقيده على ذاك الدرب.

الساحة

– “مين رامي؟”

– “أنا”

– “شو يا رامي .. ما اشتقت لحمص؟”

– “…”

أعاد لي هويتي واشار للسائق بالانطلاق.

كل ما هو حي وجامد ، كل من وما تشكّل المادة تفاصيله موجود ليكون عبداً لما يؤمن به ، وإن حيدنا الجوامد وربما الأحياء الدنيا من نبات وحيوان وصعدنا للاعلى وفكرنا بالبشر كبشر، نحن أيضاً عبيد لما نؤمن به، نجعله مركزاً تدور كل دقائق ولهاث وجهد حياتنا حوله، ان ثبت التهمنا الروتين وان تحرك تحركنا معه ، صعوداً هبوطاً .. يمنة ويسرة ، لا نتوقف عند كوننا مفعولين بهذا الإيمان بل فاعلين ، ننثر مفاهيمه في كل ارض ندوسها، ويبدو علينا أكثر من صورنا التي تطبع في عيون وداخل كل من يرى.
لانرى انعكاسه في عيون الآخرين ولا نفكر فيه ، وعندما نذهب بإيماننا بعيداً يضحي كل “الآخر” رهناً بما يمليه إيماننا علينا وبمفردات قواعد ارتباطنا به: نتقرب منه ، نكرهه ،  نقتله ، نحرقه ، نآخيه.
لا تزعج نفسك بالتفكير بأثر ايمانك عنده ، لا يمكن لإيمانك أن يخطئ وتفاعلك مع الآخرين من خلاله حتمي النتيجة وتصب في تغذية المرتبة الإيمانية خاصتك.

“نزلني هون بدي جيب قداحة شنيون، الهوى صاير قوي”

صفعة .. زجرة ودفع

أكتوبر 14, 2011

images

مشهد 1

أب يقف على واجهة محل مع ابنته (3 سنوات) ، وبينما هو مشغول بما عليها تمشي الصغيرة لتنزل عن الرصيف ، وفي الوقت الذي تبدأ مسيرها بالشارع تتوقف سيارة بشكل زاوي لتمنع اذيتها وتزمر لابيها الذي يهرول للطريق ويعيدها للرصيف ويبدأ بصفعها على مؤخرتها

مشهد 2

بالسرفيس وبعد دخول سيدة و3 أطفال وجلوسهم بالمقعد الخلفي تناول السيدة من أمامها نقود وتخبره بقطع 3 مقاعد ، يبادرها أحد أطفالها (4-5 سنوات) بالقول بصوت عال: “ولكننا 4” .. تزجره الأم بذات الصوت العالي

مشهد 3

بحادث منفصل آخر ، رجل وزوجته وابنته ( 6 سنوات) على باب سرفس ، تدخل الطفلة للسرفيس وتحتار في اختيار مقعد الجلوس، يتبعها الأب بالدخول ليحل المسألة بدفعها من كتفيها بقوة إلى البروز الدائري في ممر السرفيس لتجلس عليه.

مشاهدات جرت حقيقة ، تدير الكثير من الأفكار ، صمتي أمامها ، وجوه الأطفال فيها ، وربما آباء كهولاء يقتلون براءة ويخمدون جذوة ذكاء ويكسرون رقة بعنفهم أو بتصرف وربما قول همجي سمج.

ليست مجرد تدوينة، هي دعوة لنبذ العنف اللفظي والروحي قبل الجسدي تجاه الأطفال، كنت قد كتبتها منذ فترة طويلة ورغبت في حفظها حتى يأتي أوانها ، ويبدو أن أوانها حان، ففي الأيام الماضية انتشرت رسالة بريدية بعنوان فن العقاب للاطفال من سن 2 الى 12 سنة بدون عنف”تتحدث عن وسائل مثل :قرص الأذن ، مدح الغير أمام الطفل ، التهديد ، والأخطر : الضرب. لا أفهم عن أي فن وأي تربية نتحدث باستخدام أدوات مثل هذه. سأتناول ماورد فيها لاحقاً بشيء من التفصيل

الفصل السابع

سبتمبر 17, 2011

– في واحد عنا بالشركة بتمنى فعلاً أنه يتزوج

– ليش؟

– لأنه كثير حكي، ما بيفوت لسانه ع تمه ، ثرثار كبير

– وبس يتزوج بيصير قليل حكي .. أي أي ، كتاب الأزواج تأليف رامي الشيخ الفصل 13

– كتاب الأزواج تبعي كله تحت “الفصل السابع”

فضاء

فيفري 7, 2011

– “.. هذا اسوأ حال وصلت أو سأصل له على الإطلاق”

– “لاتقل هذا”

– “؟”

– “أنت ترى ضمن فضائك .. لم تجرب فضاء القدر بعد، دائماً هناك ما هو أفضل وما هو أسوأ .. لا شيء مطلق فينا أو يحصل معنا”

سقوط

جانفي 13, 2011

في كل مرة اختبر السقوط، يصدف وجود ما يخنق ارتطامي، يدي صديق ، رجع صدى لذاكرة، احتضان طير عابر حلق في طريقي. صدفة تتكرر حتى قبض الروتين منها روحها.

مع الصدع الذي تحسسته في سقوط اعيشه الآن ، واقترابي من القاع دون أي إشارة، أظن أني سأغمض عيني .. واستسلم ، ربما سيكون الاقسى

غريزياً، كنت أرمي بيدي أماماً لتجنب أي قدر من التهشم ، أما وقد طال بي سفر سقوطي، شيء ما يناديني بأن أفتح ذراعي لعناق الصخرة

إرادة

جانفي 4, 2011

سهرة على هامش الحياة جمعت اثنين

– “ حابب أعمل كثير اشياء بس في شي معوقني ما عم بعرف شو هو ، يمكن الإرادة .. هلق كيف الواحد بيصير عنده إرادة”

– “لازم يكون في عنده هدف او حلم ، وعم ينق عليه من جوا”

– “بتعرف؟ لازم يكون في شي كتاب بالسوق بيحكي عن الإرادة، مثلاً : كيف تمتلك الارادة بخمس ايام بدون معلم”

– “أي ما بيحل شي”

– “ليش؟”

– “بدك إرادة لتقرأه ، وقبلها بدك إرادة لتشتريه”

وحش في الخزانة

ديسمبر 6, 2010

 

moncloset

نراقب الوقت بعيني من ينتظر موعده مع حزنه وها قد دقت ساعة البندول معلنة الثامنة والنصف ليلاً

-"هيا .. إلى النوم"

نتوجه إلى ما نكره، تتشارك في رأسي هموم المدرسة والدراسة غداً مع هم مقابلة ذلك الوحش من جديد، فتسود فيه غمامة الأرق من جديد.

افترشت السرير وغطيت وجهي حتى أنفي دون أن أشيح بنظري عن الخزانة التي تأبى الرطوبة أن تغلق دفتيها.

هاهو ذاك الوحش يراقبني من وراء الثياب الملونة المرصوفة فيها ومن وراء الأكياس السوداء ، يهيأ لي أنها كانت تزاح بين الفينة والأخرى ليخرج برأسه مطلاً علي.

ذاك الوحش، ضخم الجثة ، ملفوف بكامله بشرائط بيضاء قماشية، وبوجه مثخن بالتجاعيد تحجز كرتي عينيه فتمنع خروجهم في وجهه، لم يفارق مخيلتي ، كنت أراه مترقباً مثلنا، متحيناً للحظة، لحظة أن يحتل الظلام حيزاً اكبر في الغرفة.

وتمر الساعات دون أن أفكر بالنوم ودون أن يبارح صفوف الثياب التي تترّس وراءها.

-"لم تناموا حتى الآن ..؟ ناموا، بكرا عندكم مدرسة"

وكأننا نحتاج من يزيد على همنا هماً جديداً، لم تكن محاولات هاني بالتظاهر بالنوم وقتها تفيده.

-"مشان الله، لا تقفلي ضوء الممر"

لم يكن رجاؤنا هذا يلقى آذاناً صاغية دوماً ، لم يعرف أحد بسرنا ، بالوحش المختبئ بالخزانة ، كنا نقف دوماً وراء حاجز الخجل دون القدرة على العبور ، فما وراؤه لا يقل إرباكاً عما أمامه.

وأقفل النور الأخير الذي يشرف على غرفة النوم من خارجها، وتحولت غرفة النوم لمملكة خاصة به الآن، وأخذت الثياب والأكياس تتكون لتشكل مشهداً مرعباً ، كنا نحاول الدخول في حوارات فيما بيننا .. أي كلام يخطر على البال محاولين تجاهل وجوده ، لكن عبثاً كنا نحاول، وفجأة يأتي النعاس لينقذنا من رعبنا وينتشلنا منه.

مرت سنين، نتواعد فيها مع هذا الوحش حتى أصبح جزءاً من قصة نومنا المرعبة جزء لم يقدّر طوال أيام هذه السنين أن يتقلص ، لم يختلف فيها سوى متاريسه من الأكياس والثياب والمشهد المرعب الذي كان يخلف وراءها

كان يخرج أحياناً من وراء الأكياس ، أو يتحضر للخروج فنغمر رؤوسنا بالغطاء محاولين تجنب وجهه وقبضته الكبيرة، الفكرة الوحيدة التي تدور برأسي الذي أغرقه العرق هي:

-"الآن بعد ثانية أو اثنتين سيزيح عن وجهي الغطاء ليطل بسحنته المرعبة"

ها نحن نكبر ومع مرور الأيام بدأ يتململ من وجوده فما هو خرج ولا نحن تجرأنا على اقتحام مكان وجوده، كان يغيب أحياناً ، وينسانا راقدين في أسرتنا، هاهي السنين تمر وغيابه يطول يوماً بعد يوم حتى أتى ذلك الزمان الذي غادرنا فيه دون رجعة، تغيرت همومنا حتى نسيناه.

أين ذهب؟ لمَ ترك مكانه في ذلك الركن المظلم من الخزانة؟ لماذا لم يعد يطل برأسه البشع؟ لوهلة انتابني شعور بالاشتياق لنظراته اشتقت لوجوده وكأنه خلف وراءه فراغاً، اشتقت لتلك المخيلة التي كانت تجعلني اتصور الثياب تزاح من مكانها والأغطية التي كانت تتحرك ليخرج من ورائها.

نعم اشتقت له.

ربما سيأتي ذلك اليوم الني ستستنجد فيه ابنتي بي وتخبرني قصتها عن وحش لا يبارح مكانه في إحدى أركان غرفة النوم طالبة أن اكون لجانبها طول فترة نومها ..

يا ترى حينها هل سأخبرها بقصتي مع وحشي الذي أشتاق له ولذكراه اليوم.

كتبت عام 2007

ضواحي دمشق العراقية

أكتوبر 8, 2010

– “ماذا تفعل”

– “أريد تصوير هذا الملصق”

– “لا، لو سمحت .. انقل الرقم إن شئت.. هل لديك متبرع؟”

– “لدي أصدقاء عراقيون قد يهتمون للأمر”

– “حسناً لكن لا تصوره رجاءً”

هذا ما جرى من حوار مع صاحب محل عراقي الجنسية في الحي الذي أسكن فيه كان قد علق إعلاناً يطلب فيه كلية لمريض، ذيله بملاحظة تقول : المتبرع عراقي حصراً، وغرضي من التصوير كان كيلي الذي طفح مما سأدلو به هنا.

صحنايا، جرمانا، قدسيا لمن لا يعرفها هي ضواحي تحيط بدمشق جنوباً وشرقاً وفي الشمال الغربي بدأت أضواء الاستثمار العقاري تسلط عليها في بداية التسعينات كمناطق واعدة ومميزة، فبالإضافة إلى أجوائهاً كان التنوع السكاني الذي فيها يعطيها أفضلية ولتقريب ماأقصد هنا قد تجد في بناء واحد سكاناً من أهل كل المحافظات ومن أديان مختلفة ، أيضاً من الطبقة المتوسطة اقتصادياً ، وكنتيجة لهذا كانت مناطق مسالمة هادئة لا تسمع فيها ضجيج صخب او مشاكل أو جنح إلا بالنادر، وهو ما انتهى بها لتكون مقصد اللاجئين من الأخوة العراقيين.

ما حدث فيها لاحقاً ليس غريباً عما يجري بمدن مثل مدن ألمانيا الجنوبية باكتظاظها بالأتراك أو مرسيليا بوجود أغلبية مغربية جزائرية فيها والفارق أن هذه المدن كبيرة ورغم ازدحامها تبقى محافظة على شيء من هوية أهلها، أما ضواحي دمشق المذكورة فقد قلبت لتبدو ضواحي بغدادية بصراوية بامتياز.

والإغراء المادي الذي قدمه العراقي الوافد لها جعل لعاب المكاتب العقارية يسيل محولاً كل الشقق الموضوعة للإيجار فيها تتحول للشقق مفروشة وكذلك أحيلت كل الشقق التي على الهيكل فيها بهذا الاتجاه أيضاً، فالشقة التي كنت قد استأجرتها في بداية زواجي ب4500 ليرة شهرياً وهي شقة ب 120 متر وبالطابق الاول مطلة على شارع 30 متر أصبحت تؤجر لاحقاً بـ 12 و 15 دون فرش وغيرها في أبنية مجاورة وصلت إلى 30 و 40 ألفاً ، وهذا كان في 2005 – 2006 وكذلك حال الدكاكين والمحال التجارية التي لم يتوقف الغلاء فيها على أجورها الشهرية بل على المواد والخدمات التي تباع وتقدم فيها أيضاً تاركة الشباب المقدمين على الزواج والباحثين عن شقق يستأجرونها أو يشترونها أمام نهايات مسدودة، توقف الغلاء في تلك السنين أمام ارتفاع بلغ ثلاثة أضعاف أسعار الشقق ، كثير من الشقق التي أعرفها معروضة بحدود ال 750 ألفاً في منطقي سنة 2001 أضحت ب 3 مليون تقريباً وهو حال الأجار أيضاً وبعيداً عن سرد هذه التفاصيل التي لم تكن الأثر الوحيد للازدحام العراقي ، امتد الأمر ليشغل الجو فالازدحام المميت فيها والتلوث البصري والسمعي بلغ حدوده القصوى وأضحيت ترى المشاجرات الجماعية وتشفيط السيارات والقمامة وتخريب المرافق دون الحاجة للتدقيق.

المحال تبيع المشاوي العراقية والأفران تفرش الخبز العراقي على أبوابها (لم أفهم كيف يعطى الخبز جنسية أيضاً، كانت هذه الامور وتسمية المحال بأسماء عراقية طريقة للقول أن صاحب هذا المحل عراقي) ومحال بيع الوسائط تصدح بأغان غريبة عنا ، حتى الحدائق فالأطفال يجب عليهم أن يقفوا بالطابور ليلعبوا بأرجوحة أو زلاقة كانت تستضيف منهم مايعد على أصابع الأيدي في الأيام العادية.

وبدأ عراقيو هذه الضواحي بخلق مجتمع مغلق داخلها فلا يشترون إلا من بعضهم ولا يحلقون إلا بمقص ومشط عراقي، ولم يكن الامر عصياً على الملاحظة، ولايحتاج منك إلا أن تحاول الدخول إلى أحدها بلهجتك السورية حتى تلحظ كيفية التعامل معك.

كي لا أفهم خطأ فيما أقول ليسوا ملومين على مانحن فيه ، فالطريقة التي عوملوا فيها في بداية حضورهم والنظر إليهم كأكياس مال متحركة وكغرباء هي ما ساهم بصنع رد فعلهم تجاهنا، ومن ناحية أخرى الحرب ليست ذنبهم ، ماذا لو كانت الحرب “لا سمح الله” في سوريا، كنا لنكون نحن مكانهم في بلد مجاور أو ربما في بلدهم.

لو كان هناك من قام بتنظيم دخولهم إلينا وتزيعهم بشكل متوازن على المحافظات بشكل لا يسمح لتجمعهم هذا بفرض طرق مرفوضة من قبل قاطني الضواحي لكان الأمر مختلفاً ولزال منطق مثل “البلد التي ليست بلدك أنزل فيها سروالك وبول في الشارع دون خوف ملامة” منها.

هل تدوينتي متأخرة؟ ربما لكنها تأتي ولازالوا موجودين في ذات أماكنهم رغم قلتهم ولازالت الآثار ككيس القمامة الذي يفترش ويسيل في الطابق الذي أعيش فيه موجوداً.

في الأيام الماضية سمعت عن أخبار أن وفوداً جديدة منهم ستأتي إلى سورية بسبب الوضع الأمني الي لازال متردياً في بلادهم خصوصاً بعد إعلان الانسحاب الأمريكي منها، فهل سأستيقظ على ذات الازدحام ، وعلى صور مرشحين عراقيين تملأ شوارع هذا الجانب الهادئ (سابقاً) من دمشق؟

أمي .. النسيان، ونيسان

أفريل 12, 2010

العنوان غير مهم ، حتى النص ، لم أشأ أن أفكر بما سيأتي فيه، كل ما هنالك هو أن أمي ماتت في يوم يشبه بأرقام تقويمه ما يحمله هذا اليوم ، بهذه البساطة ، نعم، ومشكلتي يا سادة في أني فقدت الذاكرة، ليس بالشكل الدرامي للفقدان، بل بكل ما يتعلق بأمي أو يدور حول فلك زمانها، حاولت استجداء بعض فتات الذاكرة بالصور ، قلبت صورها القديمة ، حاولت ربط ما في الصور بعصير ما تقطر من مشاهد في مخيلتي.

كل هذا كان دون جدوى، حتى أن ذهب بي اليأس إلى رسالة أرسلتها لكل من عرفها صباح هذا اليوم، رسالة بها كلمات قليلة “ماتت أمي في يوم كهذا اليوم”، وانتظرت اسعاف أحدهم بذكرى قد تعود في كلماته، لكني فشلت أمام تجنب الجميع الوقوع في فخ محاولتي، أنانيون، هم أنانيون .. احتفظوا بصورهم لأنفسهم، أغلقوا أفواههم لئلا يتسرب ما يدفع بأصابع حادث كانت وكانوا فيه لتأخذ بيد ما مضى فيحضر الآن.

أي حزن ذاك الذي ينسينا وقع أرقام مكتوبة في ورقة تقويم بحر سنين تغرق فيه؟ ماتت أمي في يوم كهذا ولم تترك لي سوى دفاتر دراستي الثانوية، ولفافة خبز فيها زيت وزعتر صنعتها لي عندما كنت صغيراً ودموع خانتها وهي تخبر صبي الخياط بمغادرة أخي الأكبر الى الجيش وثلاث حبات دراق جلبتها لي في معسكر الطلائع وعطر يدها تمسك بيدي وهي تنتظر معي باص الروضة